دمية مطرزة بالحب بقلم ياسمين عادل

موقع أيام نيوز

بيد صديقتها وجذبتها نحوها 
تعالي معايا مش عايزة أقعد لوحدي
ف تنغض جبين نغم بحزن و 
مش هقدر أنا معرفش حد من ولاد عمك ومش هعرف اسيب البيت أكتر من كده.. أنا بقالي يومين مروحتش سامحيني بس هجيلك
التفتت ملك برأسها فلم تجد والدها حيث كان.. تنهدت وأطلقت زفيرا معبئا بهمومها وأردفت بنبرة يشوبها الخذلان 
كويس إنه خرج يعني كنت هعمل إيه بوجوده اللي شبه عدمه بالظبط
ف دافعت نغم عنه وهي تقول 
لأ ياملك عمو كان ھيموت من الحزن عليكي.. ده مشافش النوم ولا عينه غمضت عشان يطمن عليكي
ف أشاحت برأسها بعيدا وهي تخبئ دمعة ترقرقت برقة مرورا بأهدابها و 
ياريته كان حس بيا بدري مش بعد كل اللي حصل فيا
وتركت ذاكرتها تسبح من جديد في ذلك العالم الذي حبست في ذكرياته المخذلة.. كي تعاني الألم من جديد بل وأضعاف.
كان
إبراهيم قد خرج حينما شعر ببوادر نوبة من الألم الحاد ستجتاحه الآن لتمزق في ضلوعه وتنهشها بلا رحمة وجلس خارج غرفتها بالردهة الطويلة خرج كي لا تراه أو تحس ضعفه.. تناول حبتين من المسكن الخارق الذي سيقضي على أجهزته المناعية أو بالأحرى قضى عليها كي يسكت ذلك الصياح الذي يجول بداخله وعندما رآه يونس هكذا كان قد قرر تنفيذ ما عزم عليه. 
كان يطالعه بنظرات متضايقة لما آل إليه حاله ف قطع يزيد تفكيره غير منتبها لما ينظر نحوه وسأل 
طالما مش هترجع المزرعة هتوديها فين
ف زفر يونس وهو يشيح بوجهه بعيدا و 
مكان قريب أوي قريب من هنا.. وقريب من قلبي
ثم نظر لشقيقه متابعا 
مكان هيشفيها بجد
وكأن يزيد قد فهم على الفور ما يجول في رأسه و 
أوعى تقول اللي في بالي! 
تقريبا هو
ف ابتسم يزيد ابتسامة واسعة و 
يبقى أنا مش جاي معاك أنا مش هقدر أقابلها دلوقتي واتواجه معاها.. بصراحة ومن الآخر مش عايز اتهزق
وضع يونس يديه في جيبي بنطاله و 
أمال مين هيجيبهم لحد هناك.. أنا لازم أسبق عشان أهيأ الجو
يونس أنا آ......
فقاطعه بعدما عاد ينظر ل عمه من جديد 
شوفلنا دكتور الأورام اللي هنا فين ومواعيده إيه.. عمي لازم يبدأ بالعلاج فورا
وسرعان ما انتقلت عينا يزيد تبحث عن عمه حتى رآه يجلس هزيلا ضعيفا هكذا وهو لم يعتاد رؤيته سوى قويا شامخا.. ف تهدل كتفي يزيد وتسائل بحيرة 
هيرضى 
مش ب إرادته يايزيد.. حياته وسطنا ده قرارنا كلنا مش من حقه يحكم علينا وعلى بنته بغيابه.. يلا روح
قالها وتحرك بعدها نحوه تاركا شقيقه ليرى في عمه من بعيد صورة والده حسن.. لطالما كان إبراهيم أب ثان له وهو لن يترك أبيه الثاني بين أحضان المۏت
............................................................................
كانت تلك العجوز الشقراء ذات الشعر الذهبي الذي لم يتخلله الأبيض والتي لا يبدو إنها تجاوزت السبعين من عمرها تجلس في الحديقة الصغيرة الملحقة بمنزلها الفاخر في إحدى التجمعات السكنية الحديثة والمرفهه.. تقرأ في كتاب باللغة الإنجليزية وهي ترتدي نظارة القراءة خاصتها ومتعمقة فيها بكل كيانها.. ابتسمت بنعومة لتبرز بعض خطوط التجاعيد التي زادت من جمالها وكأنها انسجمت مع عبارة ما لمستها.. ثم عادت تتابع بشغف إلى أن استمعت لصوت ابواق سيارة بالخارج لم تهتم أو ترفع بصرها عن كتابها.. بينما كان يونس قد ترجل عن سيارته وراح ېختلس النظر إليها وهي تجلس هكذا فكر قليلا في عذر يسترق به سماحها ولكنه لم يجد.
ف أطرق رأسه وحمحم وهو يخطو نحوها ببطء إلى أن رأى خادمتها الوفية التي
تعمل لديها منذ خمسة وعشرون عاما تخرج من البوابة الداخلية وهي تحمل كأس مشروب النعناع البارد مع الليمون..
وما أن رأته خديجة حتى انبعجت شفتيها وصاحت 
أستاذ يونس! يامرحب يامرحب
لم ترفع كاريمان بصرها عن كتابها وتجاهلت ما سمعت هي في الأساس تعلم إنه هو الذي أتى ولكنها تعمدت تجاهله بعد أن غاب عنها لفترة طويلة حتى ماټت من شوقها له..
دنت الخادمة منه ف تناول منها يونس المشروب الخاص ب جدته و 
أزيك يادادة عاملة إيه
ف ربتت خديجة على كتفه بحنو وهي تشبع نظراتها منه و 
الحمد لله ياحبيبي في نعمة
ثم نظرت في اتجاه كاريمان و 
دلوقتي هتشد ودانك عشان غيبت عنها كل ده
فرك يونس أذنه جيدا وهو يستعد للقائها و 
عارف
ثم مشى نحوها وما أن اقترب حتى حاول أن يسرق مسامحتها
كاريمان هانم
ثم وضع مشروبها على الطاولة و 
مش لازم كل مرة تحلوي وتصغري أكتر من المرة اللي قبلها
تركت كتابها جانبا ووقفت استندت على عصاها وهي تمشي من أمامه بدون أن تجيب أو تتحدث معه وكأنه بم يكن موجودا ف راقبها بنظراته بينما تلوت شفتي خديجة و 
قولتلك زعلانة من غيبتك
مكنتش اعرف إنها زعلانة أوي كده أول مرة تشوفني ومتحطش دماغها على صدري وتنكش شعري.. بس انا مش هيأس
ثم نظر لساعته و 
مفيش وقت لكل ده!
سحب المشروب مرة أخرى وكتابها العزيز الذي تقرأ فيه للمرة المائة بدون سئم ثم لحق بها راكضا..
كانت قد جلست في شرفة غرفتها تنظر للخلاء حتى أحست به يأتي من خلفها مبررا 
والله ڠصب عني أنا مقدرش اغيب عنك وانتي عارفه
ف صاحت به باللغة التركية 
Yalancı كاذب
أنت بتنسى كل الدنيا وانت في المزرعة بتاعتك مع خيولك ومع ريحانة.. خلي الحصانة بتاعتك تنفعك لما أموت زي أمك أبقى افتكر تزورني
انقبض قلبه وتألم بعدما ذكرته بوالدته وبإنه لم يحضر حتى عزائها لتواجده خارج البلاد وقد تأخر في اللحاق بها بلحظاتها الأخيرة.. عبس واكفهر وجهه وضاق صدره كأن يدان يطبقان عليه ولكنه حارب شعوره لوجود وضع جادي يستدعي حسن تصرفه 
متقلقش إن شاء الله ھموت قبلك عشان مبقاش شوفت اليوم ده مرتين
وكأنه يستعطفها هكذا.. ف وخزها قلبها هي الأخرى وهي تنهض عن مكانها وبالفعل جذبت أذنه وهي تشدد عليها أصابعها تعاقبه على قوله السئ و 
متقولش كده تاني قدامي سامع
ف أحنى بصره ب احترام لها و 
آسف
ثم تركته وعانقته بقوتها الضعيفة و 
وحشتني يايونس Çok كتير
مسح على ظهرها بلطف وقبل رأسها و 
وانتي جدا مفتقدك بجد يانينة
ثم تذكر أمر ملك ف اتسعت عيناه وهو يبتعد عنها و 
كاريمان أنا في مشكلة ولازم تساعديني
ف ذعرت وهي تسأل 
في إيه!!
وهنا استمعت لصوت صافرة عربة الإسعاف وهي تقف أمام البوابة يسبقها سيارة يزيد والحارس يسمح بدخولها بعد أمر من يونس الذي أخبره بذلك منك قليل.
اتسعت حدقتي كاريمان وهي تنظر بتركيز مستندة على درابزون الشرفة وسألت بقلق اعتراها 
فيه إيه يايونس إيه جاب عربية الإسعاف هنا!
ف ذم يونس شفتيه و 
هي دي المشكلة في ضيفة محدش غيرك هيقدر يستضيفها
ف استدارت كاريمان ببطء يناسب قدرتها الجسمية و 
ضيفة مين!! وليه عندي هنا
هفهمك بشكل موجز عشان الوقت ضيق
دخلت سيارة الإسعاف من البوابة وبدأ المسعفين في نقل السرير النقال من العربة إلى داخل المنزل بتوجيه من يزيد.. ثم بدأ يقودهم لأحد الغرف العلوية والتي كان يقيم فيها يونس عندما قضى أغلب ليالي إقامته هنا كانت ملك تنظر للمنزل من حولها بنظرات متعجبة وإحساس الإختناق ما زال متمكنا منها تشعر إنها مسيرة لا مخيرة بعدما نصحها هو بأن تتمرد على الأوضاع التي لا تروق لها.. هو الذي يحكم عليها بالأسر هنا في مكان لا تعرفه وكأنه يقول أن مفتاح قيودها معه هو فقط.
خرج المسعفين بعدما تركوها ترتاح على الفراش وغادروا المنزل برفقة يزيد ثم صعد من جديد كي يبحث عن يونس ولكنه وجد كاريمان تخرج أمامه من غرفتها وترمقه بنظرات غاضبة..
أسبل جفونه و 
أزيك يانينة
ثم انحنى كي يقبل يدها ولكنها سحبتها منه و 
Yapma. لا تفعل
ثم أشاحت بوجهها وتابعت 
بعدين لينا حساب مع بعض
ولكزته بعكازها وهي تردف 
ياإبن حسن
ثم تركته وسارت نحو الغرفة التي تضم تلك الضيفة بينما غمز له يونس كي يتجاوز الأمر.. ف غمغم الآخر 
مش فاهم هي إبن حسن دي شتيمة يعني!
دخلت كاريمان الغرفة بهدوء كي لا تزعجها ثم ابتسمت برقة وهي تراها و 
ممكن أدخل
حاولت ملك تحريك رأسها قليلا ولكنها لم تستطع حملها من فرط الألم ولكنها استطاعت أن ترى تلك المرأة الجميلة التي تقع في حبها من النظرة الأولى.. ابتسمت بخجل مكافحة ألم ذراعها وقالت بتوتر 
آ.. اتفضلي طبعا
دلف يونس خلفها و 
أعرفك ياملك
ثم قال ب افتخار 
جدتي كاريمان أم أمي الله يرحمها
ف ابتمست ملك ب ارتياح لرؤيتها و 
أهلا بحضرتك
دنت منها كاريمان و 
أهلا بيكي أنتي ياحبيبتي Hoş geldi niz أهلا وسهلا
ف نظرت ملك تلقائيا بعدم فهم نحو يونس الذي أوضح على الفور 
بترحب بيكي بالتركي جدتي أصولها تركية في الأساس
ف أومأت إيماءة صغيرة صاحبتها عبوس مټألم بوجهها و 
أهلا بحضرتك
ف أشارت لها كاريمان كي لا تتحرك نهائيا و 
متتحركيش خالص
جلست كاريمان على طرق الفراش وهي تتطلع لملامح وجهها البريئة التي اتشحت بتعابير الحزن والتعاسة قطبت جبينها بضيق فهي لم تعرف عنها سوى بعض الخطوط العريضة التي ضايقتها.. ربتت كاريمان على ساقها بلطف بالغ مراعية أن لا تؤلمها و 
بعد الغدا هنتكلم كتير مع بعض دلوقتي وقت الراحة
ثم نظرت لساعة يدها الذهبية الثمينة التي لا تنزعها سوى قبيل النوم و 
فاضل على معاد الغدا نص ساعة بالظبط
تدخل خديجة في هذه اللحظة ف تأمرها كاريمان 
ديچا بسرعة حضري الغدا عشان ملك.. كله مسلوق مع شوربة عشان تاخد العلاج بعد ساعة من دلوقتي
ارتفع حاجبي ملك ب اندهاش ف قطعت عليها كاريمان سبيل التفكير و 
متستغربيش أنا آه عجوزة بس كل حاجه بتتسجل هنا
وأشارت على رأسها 
مش بنسى
اجتذب يزيد ذراع شقيقه برفق و 
تعالى يايونس عايزك هما هيعرفوا يتفاهموا مع بعض كويس
ف أردفت كاريمان بدون أن تنظر خلفها 
يزيد لو مشيت قبل ما أكلم معاك مش عايزة أشوفك تاني
أنا هنا اهو يانينة متقلقيش ركزي بس مع ملك
ثم أغلق الباب عليهم وزفر ب ارتياح 
الحقيقة انت فعلا جبتها المكان الصح نينة دي مصحة علاجية لوحدها.. بس ربنا يستر أحسن تطفح عليها
نظر في ساعة يده فقطع عليه يونس السبيل و 
متفكرش لو مشيت كاريمان هتنزل عليك ڠضبها
ثم مط شفتيه وقد تذكر ذلك الأمر الذي تركه ناقصا وقال 
أنا اللي لازم امشي ورايا مشوار ميتفوتش
ف أقارب منه يزيد وهمس 
طب امشي انت وانا هداري عليك
ف ضحك يونس غير مصدقا و 
آه عشان تمشي ورايا على طول زي ما كنت بتدارى فيا زمان مش كده!.. ده بعينك
فتحت كاريمان الباب لتنظر إلى الشابين اليافعيين أمامها.. ما أن رأتهم ورأت هيبتهم ووقارهم تشعر بالفخر هم جمعوا من خصال أبيهم وأمهم ولكن يزيد بالأكثر تشبه بوالده.. رمقتهم لبعض الوقت وهم لا يشعرون بوجودها حتى أوصدت الباب.. ف الټفت إليها يونس وخطى نحوها وهو يسأل 
ها ياكاري هتعملي إيه
سيبها لي ومتقلقش.. أنا هعالج روحها قبل جسمها
ف ابتسم يونس متأملا الخير فيها و 
ياريت
مسحت كاريمان على وجهه وكأنها الوحيدة في العالم الذي تفهمه جيدا وقالت بنعومة ممتصة
تم نسخ الرابط