دمية مطرزة بالحب بقلم ياسمين عادل
المحتويات
الفصل الأول
الحادي والعشرين من أيلول وقت الظهيرة تحديدا
صوت هدير المياه المصاحب لأنين بكائها كان يزعجه گصوت مذياع يصيبك بالضجر.. يجلس على المقعد المقابل للنافذة العريضة التي تطل على الشارع الرئيسي ورغم إغلاقه للزجاج إلا أن صوت صافرات السيارات رافق مسامعه.
عايزة ماما هاتولي ماما
وكأنها تمزق في ضلوعه بصړاخها الرنان.. لم ولن ينسى ما حدث وإن مرت عشرات السنون مشهد يقلص حياته ويؤرقها.. مر على تلك الحاډثة أسبوع كامل لم تنعم فيه ملك بنوم هادئ طبيعي ولم تمر أيامها بسهولة بعدما أخبرها والدها بسفر أمها وإنها لن تعود لم تتقبل ملك تلك الكذبة التي أجبرت على التعايش معها وصاحبتها الأحلام المزعجة.. وأغلب نهارها ينقضي هكذا في البكاء.
ملك!! كفاية عياط زهقتيني
فصاحت الصغيرة من الداخل
عايزه ماما.. ياماما
ف نفخ إبراهيم بإنزعاج وهو يغمغم
منها لله الله يحرقها يارب
ضړب إبراهيم الحائط و
أنا مش طايق نفسي وصدعت من صوت عياطها
ف ربتت على كتفه تهون عليه و
طب هدي نفسك شوية
ثم تطرقت للسؤال الذي لم تكف عنه منذ غياب منار
برضو مش هتقولي سبب طلاقك انت ومنار! ده انت لسه راجع من برا بقالك أسبوع.. فجأة كده تنزل تطلقها!
أهو اللي حصل
ضاقت عيناها بفضول وكأنها لم تصدق و
بس انا حاسه كده إن في حاجه تاني مش عايز تقولهالي
يوه!
قالها وهو يبتعد خطوات عنها ثم هدر بها
أنا تعبت من كتر السؤالات دي ياهبه ما كفايه ياختي بقا وتشوفي البت اللي اتفطرت من العياط دي أنا قربت أخرج من هدومي
ف هزت رأسها وهي تستعد لدخول دورة المياه من جديد و
تعالى يايزيد طمني يابني عملت إيه
كله تمام ياعمي النقاش قالي إنه هيخلص شغل في المحل بعد كام يوم وهيسلمك كله خلصان
جلس يزيد على حافة الأريكة وهو يقول بضيق
مش كنت وافقت على عرض بابا واشتغلت معاه في الشركة ياعمي! صحيح الشركة لسه صغيرة بس انتوا الأتنين هتكبروها
ف أعرب إبراهيم عن رفضه القاطع و
ثم ربت على ركبته و
تسلملي ياحبيبي تعبتك معايا في موضوع المحل لحد ما لقيت حاجه مناسبة
ف ابتسم يزيد بمجاملة و
متقولش كده ياعمي أنا تحت أمرك في أي وقت
استمع يزيد لصوت ملك وكأنه قريب منه.. مازالت تبكي وهي تقول كلمات لم يفهمها ف زفر بضيق وهو يردف
أطبق إبراهيم جفونه وهو يجيب ببعض الحزن
بكرة تنسى المهم عايز أوصيك يايزيد.. لو جرالي حاجه آ....
فقاطعه يزيد بحزم و
بس ياعمي الله يخليك ربنا يمد في عمرك
فلم يتخلى إبراهيم عن تكملة وصيته
لازم تسمع يابني الأعمار بأيد ربنا ومحدش ضامن.. ملك في وصيتك يايزيد محدش ليها غيركوا يابني مش هيبقى في وراها حد لو روحت وسيبتها.. ريحني
متخافش ياعمي بنت عمي دي لحمنا وفي عينيا.. بس برضو بلاش الكلام ده
الغيب مخيف.. مخيف لدرجة لا يتخيلها عقل بشړ.
ولكن الدراية به أكثر بشاعة ف لطف الله وعنايته تكمن في إننا لا نعلم عن الغد شيئا.
شرد إبراهيم قليلا وهو يتخيل ماذا قد يحدث في الغد بعد ما حدث..
لقد أوجعها صدرها من فرط البكاء والأنين وشعرت بوخزات تؤلمها مما جعلها تتوقف عن أحضرتها لها والدتها.. منذ أن اختفت منار من الوسط وهي لا تترك دميتها وكأنها آخر ما بقى لها منها وترفض تركه.
انحنت هبه عليها وهي تجفف شعرها المبتل بالمنشفة.. ثم تركتها وبدأت تمشطه بروية كي لا تزعجها ثم سألتها بلطف
تحبي أعملك ضفيرة يالوكه
ف هزت رأسها بالسلب ولم تجب.. التفتت هبه وجلست أمام قدميها القرفصاء ومسحت على وجهها و
حببتي كفاية عياط هو انتي مش بتحبي عمتو هبه
فصدر صوتها الممشوج بنبرات الضعف والبكاء
بحبك بس عايزة ماما
هترجع ياحببتي بس لازم ترجع تلاقيكي زي ما سابتك وأحسن.. مش كده
أطرقت ملك برأسها.. ف تابعت هبه
هذا المشهد لا يفارق ذهني ومخيلتي وهذا الوعد الذي لم يتحقق أبدا.. لم أنسى بين متاهات الحياة ولكني استثقلت السؤال الذي كان يتكرر لسنوات والرد واحد.. حتى سئم والدي وأصابه الضجر ف اعترف لي يوما أن أمي قد توفاها الله ولكنه لم يستطع إبلاغي بذلك.. وهنا كان للسکينة مكان في صدري الذي تحمم بحزن بعدما آمنت إنني لن آراها ثانية لكني على الأقل علمت ذلك ولم أتأمل عبثا كما كنت في الأعوام الماضية.
حتى العضد الذي ساندني طوال السنوات السابقة.. عمتي الغالية هبه التي تولت تربيتي والإعتناء بي قد توفت أثر أزمة قلبية وأنا فتاة تبلغ من العمر سبعة عشر عاما كان فقدانها هو
هذا عامي الحادي والعشرين مثيلاتي الآن يدرسن في الجامعة لتحقيق مستقبل لهم.. أما أنا ف قد اكتفى والدي بأن أحصل على شهادة الثانوية العامة.. بالرغم من حصولي على نتيجة عالية تؤهلني للإلتحاق بكليات القمة إلا إنه رفض رفضا قاطعا وصاحب رفضه رغبته الجامحة في تزويجي بدون النظر حتى لرأيي الذي لم يعترف به.. ومع أول فرصة وعرض للزواج وافق وبشدة كنت قد أتممت العشرين عاما حينها ولكن خبراتي الحياتية صفرية لا وجود لها.. حتى التهامي.. صاحب متاجر التهامي للمواد الغذائية ذاك الرجل الذي لم يختلف كثيرا عن أبي في طباعه قد يكون أشد قسۏة منه.. لم أعتد على حياتنا الزوجية بعد وكأن شيئا بداخلي يرفض الإعتراف بهذا الواقع الذي لا يرضيني.. ناهيك عن الزواج ممن لا تحب أو تقبله شعور النقص الذي دائما ما يتجدد بخلايا عقلي يجعلني إنسانة بغيضة تغار ممن يملكون ما لا تملكه هي.. ليس كوني إنسانة سيئة ولكني أشعر ب استحقاقي لحياة غير تلك.. حياة أختار معالمها والأشخاص الذين يتواجدون فيها.
ملك!
استمعت ملك لصوت زوجها وهي تقف شاردة أمام الإطار الذي يحمل توثيق زفافهم ف تنهدت وهي تقوم بتلميعه جيدا وأجابت
نعم يامحمد إيدي مش فاضية دلوقتي
الشراب الأزرق راح فين
١٠٠ مرة قولت الشرابات تفضل في مكانها انتي مبتسمعيش الكلام ليه
استقامت في وقفتها وهي ترفع الجوارب أمام ناظريه و
فصاح بها وهي يجذب الجوارب منها
ما يولعوا الناس انتي مالك انتي بيهم!! اسمعي كلامي أنا وخلاص
وهم يخرج وهو يقول
مفيش نزول من البيت النهاردة
اتسعت عيناها وهي تقول
بس انا قولتلك هنزل أروح لبابا شوية واشتري حاجات للبيت
خرجت من خلفه ووقفت تعترض على أحكامه التي يصدرها گعقاب لها في كل مرة بينما كان يرتدي جواربه وحذائه
أنت كل مرة تعمل معايا كده بقالي شهر ونص مشوفتش بابا بسببك!.. مش كفاية ممنوع
نهض عن جلسته ورمقها ب فتور و
ده اللي عندي لو عاجبك وصحبتك اللي فرحانه بيها أوي دي مش داخله دماغي دي بت شمال
فصاحت فيه فجأة
متقولش عليها كده
دي بنت محترمة جدا ومتربيين سوا
ف ضحك مستخفا و
ماانا لو مش رابطك كويس كنتي فلتي زيها وفضلتي من غير حجاب أحمدي ربنا إنه رزقك براجل زيي عنده نخوه
وانتقل نحو الباب وهو يتابع
أعملي أكل عدل مش زي امبارح مكنش ليه طعم كأنك عملاه من غير نفس
وأنهى حديثه بصفع الباب من خلفه ف ارتمت على الأريكة تنعي حظها العثر كونها زوجته.. لا يفقه شيئا عن طيب اللسان كل حديثه لاذع وفظ گأخلاقه ولم يترك لها حرية التصرف قيد أنملة حتى.. سحبت هاتفها عن الطاولة وبدأت تحدثها هاتفيا و
أيوة يانغم أنا آسفه مش هعرف أشوفك النهاردة.. أيوة منعني من الخروج زي كل مرة
وتجمعت الدموع في عينيها محاولة أن تبدو طبيعية
هكلمك تاني سلام
وتركت الهاتف وهي تترك شهقة مخټنقة تخرج من صدرها معها.. ليت الأمر يقف هنا ف شخصية محمد بها خبايا كثيرة تزعجها وتؤرق حياتها معه.
جوزك وحقه عليكي تسمعي كل كلامه
گكل مرة تلجأ فيها ملك لمجرد الفضفضة مع والدها يكون رده مناصف لزوجها وليس لها.. لم يكن لتقديرها معنى لدى أي منهما.. حتى والدها.
تركت ملك حقيبتها الصغيرة على الطاولة أمام والدها واعترضت على
رأيه
ده منعني أجيلك شهر ونص بحالهم كل ده عشان تعبت وكنت بمۏت ونزلت الصيدلية اللي تحت البيت من غير ما اتصل بيه!.. أنا كنت بمۏت وقتها هفكر في إيه ولا إيه!
إيه المشكلة انتي اللي غلطتي لما نزلتي من بيتك
حدقت عيناها و
حتى لو بمۏت
حتى لو بتطلعي في الروح ده جوزك وصاحب الحق الوحيد فيكي دلوقتي
سحبت ملك حقيبتها عن الطاولة وهي تستعد للمغادرة و
عمرك ما نصفتني ولا جيت عليه عشاني كأن هو اللي ابنك مش انا
أشار إبراهيم لأحد العمال لديه وصاح
شوف الزبون يامحي أتلحلح بدل وقفتك دي
ثم نظر لابنته من جديد و
أسمعي ياملك كفاية شكوى من جوزك وارضي بحالك الراجل مفيش حاجه تعيبه غير جيبه.. وجوزك كسيب وراجل محترم
في حجات كتير انت متعرفهاش يابابا
ومش عايز اعرف وأحسن ليكي محدش يعرف دخلياتك مع جوزك
وكأنه احتد قليلا وهو ينظر إليها ب حزم هكذا ف تابعت هي بدون يأس
أنا عمري ما حبيت محمد و.....
إيه المسخرة دي! حب إيه وكلام فارغ إيه!.. فكري في حتة عيل يشيلك في الدنيا بدل الكلام ال ده!
ونهض عن جلسته فجأة كأنه ينهي الحديث
قال حب وكلام فاضي قال!
خرجت ملك من متجر والدها شاردة فلم تلاحظ وجود نغم التي رأتها من مسافة قريبة وراحت تخطو نحوها حتى اختطفتها من أوج تفكيرها و
ملك جيتي أمتى
ف ابتسمت الأخيرة إبتسامة باهته و
جيت من شوية عشان اطمن على بابا تعالي معايا هنشتري حاجات سوا ونتكلم شوية
ثم نظرت لساعة هاتفها و
لسه معايا ساعة ونص
ارتفع حاجبي نغم ب اندهاش و
هو محدد ليكي ساعة ترجعي فيها!
مش عايزة أتكلم في حاجه يانغم أرجوكي
رافقتها صديقتها المقربة لتحظى ببعض الوقت معها قبيل أن تعود لمنزلها.. ف فاضت ملك بالكثير والكثير والذي لا تقو حتى على الإعتراف به لنفسها لعل داخلها يخمد قليلا.
رفعت ملك آخر صحن طعام عن الطاولة بينما كان محمد ينهض عن المائدة وهو يردد
حاضر
قالتها وهي تدخل المطبخ بينما قال هو بنبرة تعرف ما ورائها
خلصي وتعالي عشان عايزك
نفخت ملك وقد طالها الإختناق فجأة وألقت بالصحن في حوض المطبخ وهي تحك عنقها هامسة
يارب خلصني من اللي بعيشه ده! حتى انت مترضاش بالعڈاب ده يارب! يارب
دخلت لدورة المياة تغتسل وخرجت مسرعة منتوية النوم ولكن بمجرد دخولها لغرفتها كان
لا حياة لمن تنادي فقد وصل لذروته معه وكأنه
أصم كفيف لا يرى ولا
متابعة القراءة